موضوع: صحافي يروي صراعه مع مرض السرطان
موضوع: صحافي يروي صراعه مع مرض السرطان
Post 1
صحافي يروي صراعه مع المرض> (من العربية نت )>
حين اقتحمت حنجرتي ملايين الخلايا السرطانية وأنا لا أدري
الحلقة الاولي
الصحافي كمال القبيسي
بعد ظهر أحد أيام سبتمبر (أيلول) الماضي، كنت في البيت أقف عند نافذة الصالون لأدخن سيجارة أنفث دخانها الى الخارج، متحدثاً في الوقت نفسه الى ابنتي، وحيدة العائلة، فسألتها: “ما رأيك لو نطلب طعاماً من المطعم الياباني؟”.
كان نصف هذا السؤال مسموعاً لي ولها. أما نصفه الآخر فكان مرفقاً ببحة طرأت فجأة على صوتي وسط العبارة، هكذا من دون أي سبب، فاستغربتها وأعدت السؤال، لكنها استمرت.
ولأن الثقافة الصحية تنقصني، كمعظم الناس العاديين تقريباً، فقد ظننتها طبيعية كأي بحة، لذلك أهملتها آملاً أن تزول بعد أسبوع على الأكثر. لكنها طالت شهراً، واضطرتني بأواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي الى زيارة طبيب العائلة، وهو الذي لم أزره سوى مرة أو مرتين ولأمر طبيعي وفضولي أكثر مما هو صحي طوال 15 سنة من وجودي في لندن، فوصف لي دواء لالتهابات الحنجرة وقال: “إذا لم تتحسن فعليك القيام بما نسميه “بايوبسي” في المستشفى” فسألته عن معناها، وشرح أنها قيام جراح بأخذ عينة من الحنجرة ليتعرف عبر فحصها بالمختبر الى سبب البحة، فقد يكون ورماً.. بعدها عرفت أن “بايوبسي” تعني “خزعة” بالعربية.
عودة للأعلى
قتلاه بالعام أكثر من نصف ضحايا الحرب العالية الأولى
شعرت حين قال إن السبب قد يكون ورماً بأن الأمر جدي وحساس، فأسرعت الى الكمبيوتر لأقرأ بالعربية عن البحة وأسبابها وعن أورام الحنجرة، فتعبت وما عثرت على ما يلبي الفضول، سوى فقرات من هنا وهناك وموضوعات متكررة وغير مترابطة وتبث فيك القلق من دون سبب طبي حقيقي، بل إن مئات الموضوعات والدراسات المختصة بالبحة في الانترنت لا تذكر أنها قد تكون من أهم الأعراض المشيرة الى أن الحبال الصوتية تبرعم فيها السرطان، مع أنه الارهابي الأول في هذا العالم، اذ يستوطن سنوياً في 12 مليون انسان، ويفتك بحوالي 8 ملايين، أي أكثر من نصف قتلى الحرب العالمية الأولى في 4 سنوات.
قرأت في الانترنت أشياء مضحكة حقيقة، وبعضها لأطباء مختصين بالحنجرة وأمراضها في المنطقة العربية، كقول أحدهم إن مضاعفات العلاج الاشعاعي لسرطان الحنجرة تنتهي بانتهاء العلاج، في حين أنها تستفحل وتتأصل بعده مباشرة، بل تتصف بالفظاعة وبلؤم نادر فتجعل من ضحيتها “مزبلة نفايات” بكل ما يعنيه هذا التعبير.
قرأت لمختصين كثيرين أيضاً أن القيح هو من المضاعفات، وهذا صحيح، ولكن لم يزد أي منهم ولا أي كلمة عن هذا القيح المعروف باسم “العمل” في التعابير الشعبية.. لا تقرأ لماذا ولا أين يحدث في الجسم، كما لا تقرأ أي شيء عن المضاعفات سوى تردادها بطريقة لا تفيد.
وقرأت بالانجليزية أيضاً وبغيرها، فوجدت محتوياتها أفضل بكثير مما في العربية، لكنها كانت طبية بحتة وناقصة الشرح المبسط المفيد للقلقين من الناس العاديين، فتابعت السعي وراء المعلومات ما استطعت، ولكن من دون جدوى دائماً، لذلك عانيت حقيقة، وأنصح من يشعر بأي قلق سرطاني بالحنجرة وما جاورها أن لا يعتمد على الكتب ولا على ما يقرأ في الانترنت وغيرها، وفي مقدمتها ما أكتبه في هذه الحلقات، بل يمضي الى طبيب مختص وماهر يدرس حالته بدقة، ثم ينظم له العلاج المناسب، لكي ينجح معه العلاج كما نجح معي الى الآن.
قرأت 8 كتب، أحدها من 650 صفحة وعلى رأس قائمة المبيعات الانجليزية، ومعه قرأت عشرات الكتيبات من جمعيات مكافحة السرطان، ومثلها من المقالات والتحقيقات والدراسات بلغات عدة على الانترنت، الى جانب أسئلة بالعشرات طرحتها على الأطباء وغيرهم، ما جعلني أصاب بالغرور لشعوري بأني أصبحت متخصصاً بسرطان الحبال الصوتية وعلاجه الاشعاعي لكثرة ما قرأت وسألت، الى درجة أن باستطاعتي تأليف ما تحتاجه المكتبات العربية المفتقرة الى كتاب عن مرض استوطنت خلاياه المتسرطنة بالملايين في حنجرتي بعد أن اقتحمتها متسللة اليها كالعصابات طوال أكثر من 16 شهراً من دون أن أدري، حتى فاجأتني بحة في الصوت لتعلمني بأن حنجرتي، وهي بعرض وطول 5 سنتيمترات تقريباً، كانت ساحة قتال شرس بين ملايين الخلايا المتسرطنة ونظيرتها الصحية، ومن دون أن أشعر بشيء على الإطلاق، بل كنت آخر من يعلم.
وحاولت وأنا أعاني من غموض المعلومات عن سرطان الحبال الصوتية أن أكتم ما حدث عن الآخرين لأنها نكبة شخصية مؤلمة ولها امتدادات، متسائلاً في الوقت نفسه عما يدفع بالصحافي لأن ينسى نفسه حين يتحول هو بالذات الى خبر فيستمر بالكتابة عن الأحداث والناس من دون أن يكتب ولو كلمة شخصية عن جديد طرأ على حياته، خصوصاً اذا كان الطارئ أهم ما فيها على الاطلاق؟
قد يكون السبب هو أن الكتابة عن الآخرين هي من متطلبات مهنته التي يمارسها يومياً، وهو ما استدركه مدير عام “العربية” الزميل الأول عبدالرحمن الراشد، فهو مع معرفته بأني تحايلت طوال 5 أشهر على الآخرين، من أقارب وأصدقاء ومعارف، كي لا يتسرب خبر ما حل بي الى أي منهم، باستثنائه هو وأفراد عائلتي، فإنه وجدها فرصة ليجعلني أستخرج من الهزائم انتصارات، وليفيد القراء باقتراح قاله لي حين التقينا في لندن قبل أسبوع: “ليتك تكتب 4 أو 5 حلقات عن إصابتك بالمرض وصراعك معه، وليكن بأسلوب شخصي إذا أردت”.
ولأنه قال “بأسلوب شخصي” فقد شعرت بأنه ربما عانى بدوره مما عانيت حين أراد الإلمام بمعلومات عن المرض بعد أن أخبرته بأنه تمكن مني، وهو أنك اذا أردت التعرف مثلاً الى سرطان الحنجرة وعلاجه الاشعاعي النووي عبر البحث في الكتب أو في ما تعثر عليه من موضوعات ودراسات في الانترنت، فستتعب ويخيب ظنك الى حد كبير، لأنك لن تعثر سوى على معميات حول نوع من السرطان لن أتحدث الا عنه وعن علاجه الاشعاعي، باعتباري أصبت به وألممت بمعلومات وافية وشاملة عنه وعن علاجه وأسبابه وأعراضه ومضاعفاته الأسوأ من أي مضاعفات.
لن تجد مثلاً أي موضوع مبسط عن هذا السرطان، ولا أي تحقيق لصحافي واجه المرض في الحبال الصوتية، كزميل أعرف أنه أصيب به قبل 5 سنوات لكنه لم يكتب كلمة. لن تقرأ لأحد كتب شيئاً شخصياً حول الموضوع ليفيد به الآخرين. ستجد أن ما بحثت عنه مكتوب بطريقة يحتاج الواحد منا للدخول ثانية الى الجامعة ليفهمه، فيضيع وقتك من دون أن تخرج بصيد ثمين، وينقلب اليك البصر بعد التكرار “خاسئاً وهو حسير”، وفق التعبير الرائع في التنزيل القرآني الكريم.
وما سأرويه في 5 حلقات يختلف شيئاً ما عن طريقة الكتابة التقليدية للأخبار أو التحقيقات، لأن الغاية هي تبسيط المعقد عن مرض ليس بالهين وخطير، الا اذا تم اكتشافه مبكراً، وكله بأسلوب شخصي سأروي عبره ما عاينته وعرفته، وكاشفاً في الوقت نفسه للأقارب والأصدقاء والمعارف سراً مؤلماً أخفيته عنهم بنجاح كامل طوال 5 أشهر، وملبياً طلب الزميل الأول عبدالرحمن الراشد.. ومن يستطيع أن يرفض طلباً لمحترف مثله أصبح “عقدة” الإعلاميين والصحافيين في المنطقة العربية؟
إنها عبارة أنهي بها هذه الحلقة التمهيدية الأولى عن سرطان أمسك بي من العنق، متمنياً على الزميل الأول أن لا يقوم بحذفها أو تعديلها، كي لا تبقى حبة حصى في الحلق مؤلمة.
Post 2
لم تقع عيناي بأي لغة، كما ذكرت في الحلقة الأولى، على أي موضوع كتبه صحافي عانى من سرطان الحنجرة لأستفيد منه، فرحت واشتريت بعض الكتب، وقرأتها وأنا أتناول الدواء المضاد للالتهابات عله يريحني من البحة الغريبة التي كاد صوتي يختفي معها، فانتهى الدواء وانتهيت من قراءة بعض الكتب التي وجدتها جميعها طبية أيضاً، فيما استمرت البحة واستمر القلق الذي حملني ثانية إلى طبيب العائلة، فصارحني وقال لي: “الأمر يتطلب السرعة.. سأطلب لك موعداً في المستشفى الفلاني ليقوموا بأخذ عينة من حنجرتك”. فقلت: “ok.. أنا مستعد”. وجاء الموعد من المستشفى الحكومي بعد أسبوع مفاجئاً، لأنهم حددوه يوم 10 كانون الثاني (يناير) 2010 فيما نحن بأواخر تشرين الأول (أكتوبر) 2009، أي تقريباً بعد 75 يوماً.
تذكرت أنني أحمل في محفظتي بطاقة تأمين صحي دولية تابعة لشركة “انترغلوبال”، وهي تنفع في 4 قارات وتمنحها “مجموعة إم.بي.سي” للعاملين لديها في “العربية” أو قناة “إم.بي.سي” نفسها أو “العربية.نت” وغيرها، وأسرعت أبحث عن أشهر طبيب للحنجرة ببريطانيا، وعثرت عليه وزرته برفقة زوجتي وابنتي، وقام بفحص الأذنين والفم بمنظار، ثم جاء بكاميرا صغيرة تدلت من أنفي بعد أن وضع فيه جرعة من المخدر تنشقتها فمرت على حنجرتي التي راح ينظر إليها عبر الكاميرا مدة دقيقتين تقريباً.
بعدها جلس البروفيسور “آر.أس ديللون” عند طاولته وراح يكتب، فارتحت لأني اعتقدته يكتب اسم دواء سيصفه لي، الا أنه كان يكتب الى “مستشفى برانسس غريس” المجاور لبيتي في لندن، بضرورة الإسراع بتخصيص غرفة لإجراء عملية “بايوبسي” يتم عبرها انتزاع لحمية رآها وقد تورمت في حنجرتي بحجم سنتيمتر واحد تقريباً لإرسالها إلى مختبر لفحصها، ثم قال: “أنا أشك بوجود ورم لديك لذلك طلبت إجراء الخزعة غداً”.
عندها راحت زوجتي وابنتي تبكيان كما وكأني فارقت الحياة، فقمت أهدئ مما أصابهما من هلع، وسط استغرابي من شعور أحسست به وقد انتابني في تلك اللحظة فجأة.. شعرت بعزيمة نادرة حلت في كياني كله وزودتني بشجاعة مطلقة تقريباً. بعض الأطباء فسرها لي بأن الجسم حين يواجه خطراً حاسماً حل عليه فجأة فإنه يتسلح بدفاعات تخفف من أثر الصدمة على ما يبدو، لذلك لم أشعر بأي خوف بالمرة حين أخبرني البروفيسور الهندي الأصل بأنه يشك بوجود ورم سرطاني في حنجرتي. أما أنا فمازلت مقتنعاً بتفسير ما بعده تفسير: إنها نعمة تنساب إلى الفؤاد المؤمن بالمبدع الخالق فيستكين أمام الخطر الأكبر.
وأعترف بأن شعوراً بعيداً عن الخوف انتابني، وإلا لكنت من اللامبالين بالحياة نفسها.. شعرت بامتعاض وخيبة أمل غريبة من شيء لم أزل إلى الآن أجهله، تماماً كما لا أعرف إلى الآن سبباً غير الذي ذكرته، حملني على أن لا أشعر بأي خوف حين تأكدت فيما بعد من أن السرطان الذي استمد اسمه من سرطان البحر، بسبب شبه الخلية السرطانية به تماماً، تمكّن مني.
عودة للأعلى
اتصال من الهند: للأسف أنت مصاب بالسرطان
في اليوم التالي قام البروفيسور ديللون بانتزاع اللحمية عبر عملية خفيفة بمرافقة الكاميرا من الداخل واستغرقت 25 دقيقة بعد تخدير كامل، فعاد صوتي إلى ما كان عليه من بعدها مباشرة، لأن اللحمية التي نمت وتضخمت سنتيمتراً واحداً من تكاثر الخلايا السرطانية هي التي كانت سبب البحة في الصوت، ثم قال: “أنا مسافر إلى الهند لأسبوعين وسأتصل بك بعد 3 أو 4 أيام لأخبرك بنتيجة الفحص عند ورودها من المختبر.
واتصل بعدها من بومباي وقال: “للأسف أنت مصاب بسرطان في الحبال الصوتية. أريد أن أخبرك بأن الأمل موجود دائماً.. أنا لا أعرف حجم هذا السرطان، وقد اتصلت قبل قليل بأهم مختص بسرطان الحنجرة، وهو الدكتور بيتر كلارك، وحددت لك موعداً معه، فقم بزيارته ولن تحتاجني ثانية بعد الآن وأتمنى لعلاجك النجاح”. ثم أقفل الدكتور ديللون الخط ووجدت نفسي أيضاً لا أشعر بأي خوف، بل باستمرار الامتعاض فقط.
بعد أسبوع زرت البروفيسور كلارك، ووجدت مكتبه يلي قاعة بدت وكأنها “سوق الجمعة” الشعبي في بعض دولنا العربية، فقد كان فيها أكثر من 150 مصاباً بأنواع مختلفة من سرطان الرأس بانتظاره، فاستقبلني وقام بإلقاء نظرة عبر الكاميرا على حنجرتي، ثم قال إن عليه أن يعرف نوعية السرطان وحجمه وفي أي مرحلة هو ومدى استفحاله في المنطقة التي تبرعم فيها، لأن للسرطان 4 مراحل: الأولى والثانية سهلة الشفاء، والثالثة صعبة، أما الرابعة فهي التي تنتشر معها الخلايا إلى الأعضاء القريبة معلنة اقتراب ساعة الحسم النهائية للحياة.
قال البروفيسور كلارك: “سنقوم بفحصك بجهاز التصوير الإشعاعي (تي.سكان) لتصوير الحنجرة والعنق والرئة”، فعرفت أنه ينوي معرفة إذا ما كانت الخلايا المتسرطنة قد انتشرت في ما يجاور الحنجرة من الأعضاء، فانتظرت أسبوعاً لأقوم بالفحص الذي جاءت نتيجته لي كمن عثر على بئر ماء في الصحراء: لا انتشار، بل السرطان في بدايته ومحصور داخل منطقة الأوتار الصوتية فقط.
ثم طلب البروفيسور كلارك أن يقدمني الى زميل آخر له، هو الدكتور كريستوفر ناتينغ، أشهر معالج لسرطان الحنجرة وجيرانها في الرأس بالعلاج الإشعاعي (راديوثيرابي) في بريطانيا، فقلت له: “ألست أنت يا دكتور كلارك من سيعالجني؟”، قال الدكتور كلارك: “لا، أنا لا أعالج بالإشعاع، بل أقتلع الحنجرة فقط في حال كان السرطان مستفحلاً أو إذا ما فشل العلاج الإشعاعي. انتزعها بعملية جراحية، وسرطانك لا يحتاجني”. ثم قدمني إلى الدكتور ناتينغ، فتعارفنا واتفقنا على الاجتماع في عيادته الخاصة يوم عيد الميلاد، أي بعد شهر تقريباً من لقائي الأول به في عيادة مقتلع الحناجر الشهير، البروفيسور بيتر كلارك.
Post 3
في أول زيارة قمتُ بها إلى عيادته يوم عيد الميلاد الماضي، قال لي د. كريس ناتينغ: “أنت محظوظ فعلاً يا سيد قبيسي”. ثم بدأ يظهر منه ما يشير الى رغبته في متابعة الحديث، لكنني قاطعته طبعاً: “من فضلك ستوب.. أنا محظوظ؟ وتقول فعلاً أيضاً؟”.
قاطعته بهذه العبارة لأنني اعتقدته يمزح معي وهو الذي يعرف أني كنت في وضع لا يسمح لي بالمزاح ولا بالاستماع إلى نكتة أو مزحة من أي نوع، فأنا مصاب بسرطان تأكدت في تشرين الثاني (نوفمبر ) الماضي أنه تبرعم في الحنجرة، ويسمونه “لارينكس” بالإنجليزية، وهو سرطان معتدل متى كان في بدايته، لأنه بطيء التبرعم وبطيء الانتشار.
ومن “إيجابيات” هذا السرطان أنه لا يتأخر في الإعلان عن وجوده في منطقة يطلقون عليها أيضا اسم “صندوق الأوتار الصوتية” في عالم الطب، أو “تفاحة آدم” كتعبير شعبي، وهي منطقة حساسة ومعزولة عن أعضاء في الجسم يمكن للخلايا المتسرطنة الانتشار فيها بسهولة.
أما أهم العوارض التي يعلمك عن طريقها بوجوده في تلك المنطقة فهي متنوعة، كألم شديد في الأذن، أو رائحة كريهة في الفم، أو سعال لا يتوقف مع أي دواء، أو إحساس بالاختناق ليلاً، أو فقدان بالوزن من دون سبب، وهي أعراض مشتركة مع أمراض عادية أخرى. لكن أوضح الأعراض هي بحة في الصوت طارئة تأتيك فجأة من دون مقدمات.. بحة عادية تظنها كالتي مرت بك سابقاً بعد صراخ أو نقاش حاد مثلاً، لكنها كانت لي هذه المرة بحة من دون سبب بالمرة.
وطمأنني د. كريس بأنه ليس من النوع الذي يمزح، وإلا ما كان يشرف على علاج أكثر من 700 مصاب بالسرطان شهرياً في مستشفى “لندن كلينيك” الشهير في العاصمة البريطانية، كما في مستشفى “رويال مارسدن” في لندن أيضاً، والمخصص طابقه الثالث كله له ولطاقمه من متخصصين بالعلاجات المتنوعة لسرطان الرأس بأعضائه المختلفة.
طمأنني بأنه لا يمزح، ثم كرر عبارته: “أنت محظوظ لأن سرطانك مازال طفلاً عمره بين 16 و18 شهراً، وهو لايزال في مرحلته الأولى (T1) وبدأ بالدخول إلى الثانية (T2) وسببه التدخين، ونسبة شفائك منه عبر العلاج الإشعاعي (راديو ثيرابي) هي 95%، سنعمل على أن تتخلص منه بالاشعاع، عبر طريقة جديدة أنا الرائد فيها، وهو علاج لا يسبب ألماً على الإطلاق، لكن مضاعفاته هي المشكلة، وعليك أن تتحملها وترضى بها لأنها نتاج عملية شفاء من مرض صعب كما تعلم، فتناول ما استطعت من أطعمة كثيرة ومتنوعة منذ الآن واشرب من الماء ما استطعت استعداداً للعلاج بعد 11 يوماً”. فأسرعت لتنفيذ ما قال ورحت ألتهم كل ما يقع أمامي وأشرب ما معدله 3 ليترات من الماء يومياً.
عودة للأعلى
العلاج 6 أسابيع والمتابعة 5 سنوات
ثم أخبرني د. ناتينغ قبل بدء العلاج بدقائق بأني ملزم للخضوع لـ30 جلسة إشعاعية مكثفة طوال 6 أسابيع، بواقع 5 جلسات أسبوعية، ما عدا السبت والأحد، من 4 يناير (كانون الثاني) إلى 12 فبراير (شباط) الماضيين، أي 30 جلسة علاج إشعاعي. وقال إن التسليط المركز للاشعاع، وهو عبارة عن أشعة اكس مكثفة، يؤدي إلى “انتهاك وخربطة” في المنطقة المتسرطنة المنوي حرقها وانتهاكها عن بكرة أبيها بالإشعاع، وهي عملية شبيهة بحرب “الأرض المحروقة” للموقع العابثة فيه خلايا تسرطنت مع الزمن بسبب التدخين وأصبحت خارجة على القانون، أي كأنها فتحت جسماً على حسابها الخاص تعيش فيه، ومنه تهاجم الجيران بأفتك سلاح: التورم والتورم بلا توقف.
بهذا العلاج الإشعاعي تموت الخلايا السرطانية، ومعها تموت الخلايا الصحية أيضاً، إلا أن الأخيرة تعود وتتوالد صحية من جديد، فيما لا تعود المتسرطنة ثانية، فيحدث الشفاء وتعود الأعضاء بعد 3 أو 4 أشهر إلى وظائفها كما كانت من قبل الإصابة بنسبة 99% تقريباً. أما نسبة الشفاء الكلي بعد نجاح العلاج الإشعاعي فهي 85% تقريباً، لأن خطر عودة التسرطن أو انتقاله إلى عضو آخر كالعنق أو الرئة مثلاً وارد ولو بنسبة ضيئلة لا تتجاوز 15%، والسبب أن الخلية السرطانية خبيثة كالعقرب وداهية كالثعلب.
حين يهاجم الجسم الخلايا السرطانية بالمضادات، أو خلال تعرضها للعلاج الاشعاعي أيضاً، أو أي علاج، فإن بعضها يختفي من ساحة المعركة كله لينجو بنفسه كما يبدو، فتكر الخلايا وتفر كما وكأنها عصابة للجريمة المنظمة فارة من مطاردة العدالة، أو كما حركة مقاومة تقاتل بأسلوب العصابات جيشاً نظامياً جنوده مضادات يقوم الجسم بتجييشها بالكامل لمحاربة التسرطن. هو يهاجمها بجيش نظامي من الخلايا الصحية والمضادات وهي ترد على الهجوم بالاحتيال وحرب العصابات. وقد أعجب د. ناتينغ بهذه التعابير التي سمعها مني ولم يكن قرأها قبل الآن، لأنها ليست طبية بل صحافية، لكنها تصور برأيه حقيقة ما يجري في الموقع المتسرطن من عراك.
ما يجري في الساحة المتسرطنة هو معركة قتال شرسة بكل الأسلحة، وفيها تنتصر العصابات السرطانية دائماً، لأنها تحفر الموقع الذي تبرعمت فيه، كما يحفر المقاومون الأنفاق، وتدخل إلى عمق النسيج العضوي أو اللحمي، ومنه تتسلل لتجتاح الجسم كله بالملايين وتسيطر عليه حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة معها، إلا إذا طلب الجسم دعماً من الخارج يأتيه كنجدة مزودة بأمضى سلاح: الجراحة بإزالة التورم، أو عبر العلاج الكيماوي أو الاشعاعي، أو بالليزر بمساعدة التبريد المكثف، كما وعلاجات مضادة للتسرطن كثيرة تم تطويرها في السنوات العشر الأخيرة، ومنها جهاز “سايبر نايف” الاشعاعي الجديد (يوجد منه جهازان في أوروبا، وهما في مستشفى “لندن كلينك”) وهو قادر على إزالة بعض أنواع السرطان بجلسة علاج واحدة لا تستمر أكثر من نصف ساعة، لذلك ترى عشرات من أبناء الخليج يأتون لتلقي العلاج عبر “سايبر نايف” ثم يعودون في اليوم التالي إلى بلادهم.
ذكر لي د. ناتينغ أيضاً أني ملزم بزيارته طوال 5 سنوات إذا ما نجح العلاج، وبواقع مرة كل شهر في العام الأول، ومن بعده مرة كل شهرين ثم مرة كل 3 أشهر ثم مرة كل 6 أشهر للفحص الطبي الرقابي، لا العلاجي، احتياطياً من عودة السرطان إلى مكانه ثانية، أو إلى موضع آخر. ثم حذرني منبهاً: “أنا اشترط عليك أمراً واحداً فقط، فكل واشرب وافعل ما تشاء، لكن إياك والعودة إلى التدخين، لأنك إذا عدت للسيجارة، فإنك بذلك تستدعي السرطان لزيارتك ثانية، لا بنسبة 15%، بل 40 وأكثر”، كما قال.
شكرته وطمأنته بأن طلاقي للسيجارة التي تحولت معها عبر السنين إلى “مدخنة” تشعل بين 25 و30 سيجارة يومياً، هو حاسم وغير رجعي وعلى مسمع وشهود، أهمهم ابنتي التي وعدتها بأنه لا عودة ثانية إلى التدخين إطلاقاً. ثم انتقلنا، الدكتور وأنا، إلى مكان العلاج الإشعاعي حيث يعمل هناك 8 مختصين في الطابق الثالث تحت الأرض بمبنى خاص بعلاج الأورام وتابع لمستشفى “لندن كلينك” القريب أيضاً من حيث أسكن.
في ذلك الطابق وجدت نفسي وحيداً في ميدان المعركة ضد جيش جنوده من ملايين الخلايا السرطانية المتسلحة بالخبث والدهاء، وليس في حوزتي وأنا وحيد في الغرفة المصفحة سوى سلاح واحد ضدها من حدين: أمل نابع من إيمان شامل ومطلق بمبدع الحياة والموت ومحقق الشفاء لمن يشاء، وجهاز للقصف الإشعاعي استلقيت على ظهري تحت فوهته 12 دقيقة في كل جلسة، وطوال 6 أسابيع مرت خلالها الأمور في أول أسبوعين منها سهلة تماماً، إلى أن بدأت المضاعفات تظهر مع بداية الأسبوع الثالث، وما أدراك ما المضاعفات، فهي مما لا تعرفه الحواس الخمس ولا خطر على قلب بشر.
Post 4
يوم الأربعاء الماضي 7-4-2010 قمت بزيارة د. ناتينغ ليفحصني من جديد بعد أن سبق وطلب صوراً بأشعة “السكنر” للصدر والرئة ولأعضاء مجاورة للحنجرة، فطمأنني بأن كل الصور التي تم التقاطها لي قبلها بأسبوع، أي بعد انتهاء العلاج بشهرين تقريباً، دلت على عدم عودة خلايا التسرطن أو فرارها الى أي عضو آخر في الجسم، فأطلق سراحي من العلاج وحافظ على طلبه بأن أزوره مرة كل 45 يوماً للمراقبة فقط، وهو خبر أثلج الصدر لأنه كان ملحقاً بخبر مفرح آخر، وهو أن الصور والفحوص على موضع التسرطن السابق دلت أن عودته لن تكون بالنسبة لي بمقدار 15% كما هي العادة “بل بنصف هذه النسبة تقريباً، فعد الى حياتك طبيعية كما كانت”، وفق تعبيره. ثم كرر التحذير: “كل واشرب وافعل ما تشاء، ولكن إياك أن تعود الى السيجارة”.
عودة للأعلى
السجائر تغير الحمض النووي
وعلى ذكر السيجارة، وهي المسبب الأول لسرطان الحنجرة، اضافة الى أن الشيشة والسيجار والمشروبات الكحولية وتنشق المواد الكيماوية تسببه أيضاً، وكذلك الاسترجاع المعوي لبعض السوائل، فقد دلت آخر أبحاث علمية قام بها عالمان بريطانيان ونشرا نتائجها في فبراير (شباط) الماضي، أن كل 15 سيجارة يقوم أحدهم بتدخينها تؤدي الى تغيير في الحمض النووي (دي.إن.ايه) للخلية، بحيث تفقد نظام اتساقها مع باقي الخلايا وتصبح مختلفة، الا أن الطب لا يعرف الى الآن لماذا يسبب التدخين السرطان لأحدهم ولا يسببه لسواه، ولا كيف يحدث التسرطن بسبب التدخين. كما اكتشف العالمان التركيب الجيني لخلية سرطان الرئة، واكتشفا نظام عمل الخلية “الناقلة” أي المتبرعمة في موضع ثم المنتقلة الى سواه.
وفي الزيارة الأخيرة أخبرني د. ناتينغ بأن الأسلوب الإشعاعي المكثف الذي هو رائده في بريطانيا أنقذ آلاف المصابين بسرطان الحنجرة من أحد المضاعفات الخطيرة، فالعلاج الإشعاعي التقليدي السابق كان يسبب جفافاً في الفم والحلقوم مدى الحياة لمن تم شفاؤهم. أما مع العلاج الإشعاعي الجديد فإن الجفاف في الفم يزول بعد 6 أشهر على الأكثر. والمضاعفات على أي حال هي أسوأ ما في العلاج الإشعاعي لسرطان الحنجرة، ولولاها لكانت مكافحته نزهة.
عودة للأعلى
جفاف مؤلم يحلّ في الفم والحلقوم
ولكل سرطان يتمكّن من الحنجرة علاج إشعاعي مختلف ترافقه وتليه مضاعفات متنوعة القوة بنسبة اختلاف العلاج والأشخاص. لكن الجميع سيعاني من بعض المضاعفات نفسها، فبعضهم يشعر بتعب وخمول وإرهاق بعد كل جلسة علاج إشعاعي، وهو ما لم أشعر به أنا إطلاقاً، بل على العكس، فقد كنت أمشي مسافة 3 كيلومترات من البيت الى مستشفى “لندن كلينيك”، حيث كنت أتلقى العلاج 12 دقيقة في اليوم وأعود منه مشياً من دون الشعور بأي إرهاق.
ويتعرض جلد العنق الأمامي مع العلاج الى تحرقات بسبب الإشعاع المسلط عليه فيصبح أحمر اللون بعد الأسبوع الثاني من بدء العلاج تقريباً، كما يسقط الشعر النابت فيه، حتى وبعض الشعر النابت أسفل الرقبة من الخلف يتساقط أيضاً، من دون أن يلحظه أحد الا اذا كان حلاقاً عند قص الشعر، وبعد 3 أو 4 أشهر من نهاية العلاج يبدأ الشعر بالنمو ثانية، لكنه يصبح أكثر نعومة عما كان.
والتحرقات التي تصيب الجلد الأمامي للعنق شبيهة بالتي تصيب من تعرض لأشعة الشمس لساعات على الشاطئ، لكنها أشد عنفاً وخطورة، وتحمل المصاب بها على الشعور برغبة في حك الجلد وهرشه بالأصابع، كما يحدث مع المصابين بمرض “الأكزيما” تماماً، لذلك يستخدم المريض مرهماً للتليين والتلطيف خلال العلاج، وآخر فضي اللون بعد انتهاء العلاج يساعد على عدم تطور المشكلة الجلدية الى دائمة ومعقدة.
هذا التحرق أصابني باعتدال في جلد مقدمة العنق، لكني لم أشعر بأي أثر سلبي آخر، ولا حتى برغبة في الحك والهرش الا مرة أو مرتين خلال الليل على ما أذكر، لأن المرهم كان يساعد على التخفيف من حدة التحرق وآثاره.
والأسوأ من التحرق في الجلد هو جفاف كلي تقريباً يحل على الفم والحلق ويصل الى الحنجرة.. جفاف تشعر به منذ بداية الأسبوع الثالث من العلاج الإشعاعي ويستمر شهراً كاملاً بعد انتهاء العلاج، ولا يريحك منه بعض الشيء سوى شرب الماء، لأن اللعاب يختفي من فمك بالمرة، فإما أن تتحمل وتصبر على هذا العذاب الأليم، أو أن تسرع الى الطبيب ليصف لك جرعات من اللعاب الاصطناعي، وهو ما رفضت أن أفعله، لأنه مقرف ولا يحل المصيبة تماماً.
تشعر مع هذا الجفاف عند ابتلاع لعابك غير الموجود أصلاً أن عملية الابتلاع لن تكتمل وأنك تكاد تقتلع حنجرتك من مكانها.. تشعر بانسداد شبه كلي للفم من نهايته، كما وللحلقوم وبداية الجدران النسيجية المحيطة بالحنجرة، فتشعر بأنك ستموت اختناقاً، وهذا الشعور ينتابك كلما حاولت ابتلاع لعابك بشكل خاص. وسواء كان في فمك لعاب أم لم يكن، فإنك ستقوم مضطراً بعملية الابتلاع لأنها غير إرادية ولا تستطيع أن تتحكم بها
أما حين تبتلع “اللاشيء” وتضغط على عضلات الحلقوم لتتم عملية ابتلاع الماء أو الهواء أو اللعاب أو الطعام، فإنك ستشعر بألم في الحنجرة المحترقة لا يطاق.. ألم لئيم ولا يطاق حقيقة، الى درجة أنك تعصر نفسك لتتحمله، وأنا حين أكتب هذه الكلمات وأتذكر ذلك الألم أشعر بامتعاض شديد، وأشعر مع الذين ينتابهم هذا الألم من مرضى السرطان الحنجوري في هذه اللحظات. إنه أسوأ ألم شعرت به في حياتي، لأنه دائم ليل نهار ولا يتوقف وليس له دواء يقضي عليه بالمرة، سوى دواء يصفونه لك وتناوله أسوأ من الألم نفسه، لأنه يخفف الألم لربع ساعة فقط، لكنه يسبب لك الامساك الكلي، فلا تدخل الى المرحاض لقضاء حاجتك الطبيعية طوال أيام، وقد بقيت أكثر من أسبوعين بعيداً عن المرحاض بسببه، وهناك أسوأ من هذا كله وهو القيح اللعين.
Post 6
من مضاعفات العلاج الإشعاعي لسرطان الحنجرة أيضاً انعدام المذاق، المؤدي الى فقدان الشهية، أي أنك لا تعود تعرف نوع الطعام الذي تتناوله إلا إذا نظرت اليه، ولهذا السبب تفقد رغبتك في تناول الطعام بشكل كلي تقريباً، فيبدأ الهزال يبدو عليك ويبدأ وزنك بالتناقص، والنضارة تختفي من ملامح الوجه فتبدو لنفسك وللآخرين كما وكأنك ترتدي قناعاً من الشمع محدقاً باللاشيء بلا حياة وبلا هدف.
ولأنك مضطر لتناول شيء من الطعام، وإلا أخذوك الى المستشفى لإنزاله (الطعام) بالأنابيب الى معدتك وأنت تتألم، فإنك تقبل بالشعور بألم فظيع حين تنزلق اللقمة من جوار حنجرتك المحترقة هي وجيرانها بالنار الإشعاعية.
وهناك أيضاً المضاعفات النفسية التي لم أشعر إلا بقليل منها، كشعوري بأني مريض حقيقة، أو كرغبتي في عدم رؤية أحد أو التحدث الى أي شخص طوال أسبوعين تقريباً. لكن البعض يشعر بالخوف الشديد وبنوبات من الذعر مستمرة وبتعتعات من الهستيريا، كما وبالغموض حول تفاصيل دورة الحياة اليومية نفسها، بحسب ما رواه لي كويتي تعرفت اليه في المستشفى وكان يرافق شقيقه القادم من الكويت للعلاج من سرطان حنجوري.
أما أسوأ المضاعفات على الإطلاق فهو القيح، ولو لم يكن القيح والألم من المضاعفات لكان العلاج الإشعاعي مقبولاً تماماً لأي كان. ويخرج القيح من موضع الاحتراق في الحنجرة وجوارها في كل مرة قمت بعملية ابتلاع للعاب أو لأي شيء آخر، كما تخرج الحمم النارية السائلة من جوف البراكين، وكميته هي في حدود بصقة تقريباً. وخروج القيح ناتج من ضغطك على عضلات الحلقوم ليتحقق الابتلاع الذي لا سيطرة لك عليه لأنه غير إرادي، ورغبتك فيه تزداد بتزايد الجفاف والنشفان في الفم والحنجرة.
ولأن عملية الابتلاع مؤلمة جداً، خصوصاً عند شرب الماء لأن ابتلاعه فراغي يعتمد على ضغط العضلات، فإن القيح يلتصق بالحنجرة كسائل شبيه بسيولة العسل، فلا يمكنك ابتلاعه الى المعدة لأنه مطاط وهو لا يخرج من تلقاء نفسه من الحنجرة لتبصقه الى الخارج، فيبقى مزعجاً كما حبة الحصى المزعجة في الحذاء، فتضطر للضغط ثانية لإخراجه من فمك ما يؤلمك أكثر، ولأن هذا يحدث كل دقيقتين كمعدل فمن أين لك أن تنام؟ ومن أين لك أن تشعر بنوع من الهدوء والسكينة في صحتك العامة طوال شهر ونصف الشهر؟
عودة للأعلى
واحد من 3 أشخاص مُصاب بسرطان ولا يدري
لا أبالغ إذا قلت إنني كنت أستهلك أكثر من 3 علب كلينكس من الحجم الكبير كل يوم للتخلص من القيح الذي كان يخرج من نسيج حنجرتي المحترق على مراحل بعد كل عملية ابتلاع قمت بها. ولا أبالغ إذا قلت إنني فكرت مرات ومرات باللجوء الى المستشفى لإيجاد حل للقيح الذي أنهكني ليل نهار طوال 45 يوماً.
وفي هذه الأيام التي استعدت فيها 90% مما فقدته بسبب العلاج الاشعاعي، آملاً استعادة الباقي خلال شهرين على الأكثر وفق ما أكده الطبيب المختص، فإني أشعر بارتياح لكوني حاولت ملء فراغ حول موضوع جدي وحساس وخطير، ولم يكن مشروحاً بالطريقة التي شرحتها، مع أنني لا أعرف إذا كنت نجحت أو فشلت، لكني متأكد من صحة نصائح قليلة أريد تكرارها على مسامع من سمعها عشرات المرات في السابق بالتأكيد:
ابتعد عن السيجارة وتعرف الى نقطة الضعف التي في جسمك واعتنِ بها، لأن السرطان ينفذ منها ليتمكن منك بقوة. حاول أن تتناول أطعمة متنوعة الغذاء وغنية بالخضار، وتناول الفاكهة المتنوعة، ومارس بعض الرياضة وأهمها المشي، وابتعد عن التوتر ما استطعت، وكن مرتاح البال بعد ذلك، لأنه إذا كان لابد مما هو آت، مهما كان، فبإمكانك أن تقول في اللحظة الأخيرة: لقد حافظت على نعمة الحياة ما استطعت، ولم أنته رخيصاً. لقد نزلت الى الحلبة وسددت الضربات الى عدو لدود حتى الرمق الأخير، ولم يهزمني ملاكم صغير ومغمور، بل بطل العلل والأمراض العالمي للوزن الثقيل بامتياز.
وكنت أرغب في نصيحة أخيرة لمواجهة السرطان بشجاعة تفوق قوة الملاكمين، بحيث لا يشعر المصاب بأي خوف حين يعلمه طبيبه بإصابته بالمرض، خصوصاً أن هناك أكثر من 200 نوع رئيسي من السرطان تتفرع الى أكثر من 150 ألف نوع قاتل، وكل منها يتمكن في البداية من عضو ضعيف في الحيوان أو النبات أو الإنسان لينتشر منه الى سواه، علماً بأن الأبحاث دلت أن واحداً من كل 3 أشخاص يعاني من سرطان ما من حيث لا يدري.
لكن الشجاعة أمام ملك الأمراض وبطل العلل بالذات ليست هينة على الإطلاق، ولا تأتي من النصائح الأرضية. إنها نعمة يهبها مبدع الكون والوجود فتستقر في القلب وخلاياه بأقل من ثانية واحدة، فابحث عنها وستجدها ولن تتعب لأنك أينما قلبت وجهك في الأرض أو السماء فسترى الطريق معبدة أمامك اليها، وقد ترى بيتين من الشعر لا أدري حقيقة من كان قائلهما الحقيقي قبل مئات السنين، الا أنه يخاطب الإنسان الباحث عن أسباب العلل وعن مصادر الشفاء:
داؤك منك ولا تشعر ودواؤك فيك وما تبصر
وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
مستشفى مارسدين الملكي
203 Fulham Road
Chelsea
London
SW3 6JJ
رقم هاتف مكتب تشيلسي:
للاستفسارات الخاصة بسرطان الرأس والرقبة/الرئة/الاستفسارات الأكاديمية: 00 44 207 808 2586
كاثرين دافيس: [email protected]
للاستفسارات الخاصة بسرطان الغدة الدرقية/الاستفسارات العامة: 0207 808 2125
جين إدوارد : [email protected]
رقم فاكس مكتب تشيلسي: 00 44 207 808 2235
بريد إلكتروني: [email protected]
المكاتب الأخرى
المركز الطبي لعلاج السرطان في لندن
22 Devonshire Place
London
W1G 6JA
هاتف مركزي: 020 3219 3218
هاتف 24 ساعة: 0207 935 4444
خط مباشر: 020 3219 3519
[email protected]
مستشفى مارسدين الملكي
Downs Road
Sutton
SM2 5PT
هاتف مكتب سوتون: 0208 661 3366 جيل أو شيلو
فاكس مكتب سوتون: 0208 661 3127
[email protected]
كرومويلBUPA مستشفى
Cromwell Road
London
SW5 OUT
لحجز المواعيد: 00 44 207 460 5626 راميندا، ستيفاني
فاكس المكتب: 00 44 207 460 5622
بريد إلكتروني: [email protected]
عيادة شارع هارلي لطب الأورام
81 Harley Street
London
W1G 8PP
0207 935 7700